الرحلة 724 تفتح حقائب تجاوزات شركة الوزير

w1

في تعارض واضح مع خط سير حكومة يوسف الشاهد الذي ما فتئ يؤكد أن الحرب على الفساد هي أم المعارك التي لن تستثني أحدا، يبدو أن واقع هذه الحرب مختلف تماما عما يتم الترويج له، الا اذا كان مهدي بن غربية وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الانسان عضوا في حكومة أخرى غير حكومة يوسف الشاهد.
 يشير تقرير تفقدي يعود الى سنة 2013 الى ضلوع شركة العالمية لخدمات الشحن World Freight Services، التي يملك مهدي بن غربية ثلثي أسهمها حسب الفصل السابع من القانون الأساسي للشركة، في استقطاب موظفين بشركة الخطوط التونسية لمصاحبة بضائعها والتخفيض من وزنها بعد تسجيلها وتبجيلها، ما يعد اضرارا بمصالح شركة الخطوط التونسية.
المؤسسة العمومية في خدمة شركة الوزير
تعود أطوار قضيّة شركة بن غربية مع الخطوط التونسية الى سنة 2013 وبالتحديد يوم 28 مارس حين تم اكتشاف ضلوع عدد من موظفي Tunisair في الإضرار بمصالح الناقلة الجوية التونسية لفائدة مصالح شركة العالمية لخدمات الشحن (WFS)
وقد جدّت هذه التجاوزات حين كان مهدي بن غربية عضوا بالمجلس الوطني التأسيسي، قبل أن يترشح في الانتخابات التشريعية لسنة 2014 ويفوز بمقعد عن ولاية بنزرت.
مع صعود رئيس الحكومة يوسف الشاهد في 2016 عيّن بن غربية وزيرا للعلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني والحقوق الانسان.
أما عن شركة العالمية لخدمات الشحن، فتختص في تقديم خدمات الشحن الجوي لعدد من الشركات الأجنبية المنتصبة بتونس، وذلك عبر تصدير بضائعها على متن رحلات الخطوط التونسية من تونس الى عدة وجهات اوروبية.
ويبدو من خلال تقرير التفقّد الذي أجرته إدارة الخطوط التونسية في جوان 2013، ضلوع شركة الوزير بن غربية في استقطاب شبكة من موظفي هذه الناقلة الوطنية لخدمة مصالحها، ولكن كيف كانت تشتغل هذه الشبكة المعقّدة من الموظفين لتسهيل نقل بضائع شركة العالمية لخدمات الشحن والتخفيض في وزن شحناتها والتهرّب من رسوم النقل الواجب دفعها للخطوط التونسية؟
قد يكفي الاطلاع على حيثيات وتفاصيل التحقيق الداخلي (تقرير التفقّد) الذي أجراه متفقدَون بالخطوط التونسية للوقوف على جملة من المعطيات الخطيرة عن تكوين عصابة داخل هذه المؤسسة العمومية لتكبيدها خسائر مالية لفائدة شركة خاصة.
فعلى خلاف باقي الشركات المختصة في الشحن الجوي والمتعاملة مع الخطوط التونسية، تحظى شركة مهدي بن غربية منذ سنة 2010 بالأولوية في نقل بضائعها. اذ تشير مذكرة داخلية بتاريخ 15 سبتمبر 2010، حصلت أنا يقظ على نسخة منها، الى ضرورة إيلاء بضائع Valeo الأولوية في الشحن، مع العلم ان شركة العالمية لخدمات الشحن كانت تختص حصريا في نقل منتجات Valeo، التي يتم تصنيعها في تونس، الى كل من فرنسا وإيطاليا، من بين منتجات أخرى.
حقائب Valeo التي تنقلها شركة بن غربية هي ثالث بضاعة ذات أولوية على متن الخطوط التونسية
هذه المذكرة التنظيميّة أثارت حفيظة فريق التفقد بالخطوط التونسية، الذي استغرب إدراج اسم هذا المنتج دون غيره في سلّم أولويات البضائع الواجب نقلها، مبيّنا أنها تتعارض مع مصالح الناقلة الوطنية.
تفاصيل رحلة 28 مارس
يوم 28 مارس 2013، وبينما كانت طائرة الخطوط التونسية تستعد للإقلاع في رحلة روتينية (الرحلة 724) نحو مطار أورلي الفرنسي، يتوجه المدعو (س) الموظف بشركة مهدي بن غربية نحو عون التسجيل (ح.أ) مستظهرا بجواز سفر لمسافر آخر، لتسجّله الموظفة دون أن تمكّنه من بطاقة الصعود الى الطائرة، وفي هذا تجاوز للقانون..  
يعود الحريف (س) مرة أخرى طالبا من عون التسجيل استخراج تذاكر 19 حقيبة لم تصل بعد، ليجابه برفض الموظفة.
سرعان ما يتجه الحريف (س) الى عون التسجيل، ولكن هذه المرة مصحوبا بالموظف بالخطوط التونسية (م.س.ع) للمطالبة بتذاكر الحقائب التي لم تصل بعد.
مرة أخرى تتمسّك عون التسجيل بالرفض، قبل أن توافق على تسجيل وزن الحقائب (140 كغ) وإصدار تذاكرها بعد الحاح زميلها (م.س.ع) الذي أكد لها ان رئيس المنطقة قد أذن له بإصدار تذاكر الحقائب قبل وصولها، ثم طلب منها تخفيض وزنها من 140 الى 114 كغ فقط.
بعد تسجيل جواز السفر وإصدار تذاكر الحقائب وتحديد وزنها قبل وصولها بطلب من زميلها (م.س.ع)، أدركت عون التسجيل أن صاحب جواز السفر الذي سيتكفّل بمصاحبة بضائع شركة مهدي بن غربية الى فرنسا ليس سوى زميلها (ن.ش)، صهر مهدي بن غربية كما أكد في شهادته.
هكذا اذن تكشف اعترافات إحدى الموظفات في استجواب داخلي بالخطوط الجوية التونسية ضلوعها الى جانب زميلين لها (أحدهما صهر بن غربية) في تجاوز القانون والاستهتار بالإجراءات لتسهيل نقل بضائع شركة مهدي بن غربية وذلك باقتراف التجاوزات التالية:
  • تكفّل موظفة التسجيل بتسجيل أحد المسافرين دون حضوره شخصيا
  • تحديد وزن الحقائب قبل وصولها
  • التخفيض في وزن الحقائب
  • تدخّل أحد موظفي الخطوط التونسية لإقناع زميلته بإصدار تذاكر الحقائب وتغيير وزنها
  • تكفل موظف ثالث بمصاحبة الحقائب الى فرنسا مقابل تمتعه بتذكرة سفر مهداة من وكالة الاسفار PLATINUM EVENTS التي يملك الوزير مهدي بن غربية 90 % من حصصها، وفق ما جاء في تقرير التفقد. وقد برّر الموظف ذلك بتلقيه طلبا من بن غربية الذي تربطه به علاقة مصاهرة بمرافقة الحقائب. كما أكد في آخر شهادته تلقيه اتصالا من موظف بشركة (WFS) يدعى (س)
  • عدم تدخل مراقبي الخطوط التونسية لدى معاينتهم مجمل التجاوزات المقترفة من قبل عدد من منظوريهم.
التحقيقات الداخلية التي امتدت على أكثر من ثلاثة أشهر إثر التفطن الى مجمل الإخلالات المرتكبة يوم 28 مارس 2013 كشفت ضلوع عدد لا يستهان به من موظفي الخطوط التونسية في مرافقة شحنات شركة مهدي بن غربية الى أوروبا على غرار:
  • الموظف ف.ت: 10 مرات بين 2011 و2013
  • الموظف ز.ش: 9 مرات في 2011 رافق فيها 1500 كغ من بضائع العالمية لخدمات الشحن
  • الموظف م.و.ل: 7 مرات بين 2011 و2013
  • الموظف م.س.ع: 3 مرات بين 2010 و2011
  • الموظف ص.س.ل: 4 مرات بين 2012 و2013
  • الموظف ع.ج: مرتان بين 2012 و2013
  • الموظف ن.ش: مرتان في 2013
اما لدى وصول البضائع الى مطار أورلي بفرنسا أو بروما، فعادة ما يكون في انتظارها أحد أعوان الشركة المستقبلة لهذه الشحنة اين يتم تسلّمها من موظف الخطوط التونسية، ولكن دور موظفي الخطوط التونسية لا يقتصر على مرافقة البضائع بل يتدخلون قبل ذلك في تسجيل البضائع وتحديد وزنها بعد التخفيض في قيمتها والتسريع في شحنها وتوجيها نحو سفرات بعينها وتذليل كل الصعوبات، مقابل تمتعهم بتذاكر سفر وغيرها من الإمتيازات التي توفّرها احدى وكالة اسفار  PLATINUM EVENTS التي يملك بن غربية اغلب اسهمها
اخلالات مجرّمة بالقانون..
ترتقي الإخلالات التي أتاها عدد من موظفي الخطوط التونسية في حق مؤسستهم الى درجة الخطأ المهني الجسيم، وفق ما نصت عليه مجلة الشغل. اذ يعتبر خطأ فادحا، وفق الفصل 14 من نفس المجلة، ''العمل أو التقصير المتعمّد الذي من شأنه أن يعرقل سير النشاط العادي للمؤسسة أو يلحق ضررا بمكاسبها، أو الحصول على منافع مادية وقبول مزايا لها علاقة بسير المؤسسة أو على حسابها، وذلك بصفة غير شرعية. أو السرقة أو استعمال العامل لمصلحته الخاصة أو لمصلحة الغير للأموال أو القيم أو الأشياء التي أؤتمن عليها بسبب مركز العمل الذي يشغله.''
كما تطرّقت المجلة الجزائية في الفصل 96 الى هذه الاخلالات بتنصيصها على أن '' يعاقب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية تساوي قيمة المنفعة المتحصل عليها أو المضرة الحاصلة للإدارة الموظف العمومي أو شبهه وكل مدير أو عضو أو مستخدم بإحدى الجماعات العمومية المحلية أو الجمعيات ذات المصلحة القومية أو بإحدى المؤسسات العمومية ذات الصبغة الصناعية والتجارية أو الشركات التي تساهم الدولة في رأس مالها بصفة مباشرة أو غير مباشرة بنصيب ما أو الشركات التابعة إلى الجماعات العمومية المحلية مكلّف بمقتضى وظيفه ببيع أو صنع أو شراء أو إدارة أو حفظ أي مكاسب استغلّ صفته لاستخلاص فائدة لا وجه لها لنفسه أو لغيره أو للإضرار بالإدارة أو خالف التراتيب المنطبقة على تلك العمليات لتحقيق الفائدة أو إلحاق الضرر المشار إليهما.''
شركة متهمة بالفساد لوزير في حكومة ''تحارب'' الفساد
الى ذلك يبقى تحديد الاضرار التي تسبّبت فيها شركة مهدي بن غربية الذي كان وكيلا لها قبل انكشاف هذه الاخلالات في الخطوط الجوية التونسية كمؤسسة عمومية من مشمولات القضاء. في هذا السياق أكد الياس المنكبي الرئيس المدير العام للخطوط التونسية في رد بتاريخ 4 جانفي 2018 على مراسلة لأنا يقظ، إحالة ملف شركة العالمية لخدمات الشحن الى القطب القضائي المالي، ما يعني إحالة ملف شركة مهدي بن غربية، الوزير في حكومة تَدَّعي محاربة الفساد، على القطب القضائي المالي بتهمة فساد مالي، ما يعد انفصاما سياسيا في هذه الحكومة التي ما فتئت تجاهر بوقوفها الى جانب تونس ضد الفساد والفاسدين.
هكذا اذن ساهمت شركة مهدي بن غربية في تعميق الأزمة المالية للخطوط التونسية التي تعاني بدورها من عجز مالي تجاوز المائتي مليون دينار خلال سنة 2013 فقط، بينما ما فتئت حكومة يوسف الشاهد التي ينتمي اليها الوزير بن غربية، تتحدث عن خطط لإنقاذ المؤسسات العمومية من المديونية التي تلقي بظلالها على اغلبها، في حين كان من الاحرى محاسبة المتسبّبين في هذه الازمة ولو كانوا وزراء، وذلك انسجاما مع منطوق رئيس الحكومة الذي يؤكد في كل مرة ان الحرب على الفساد هي ام المعارك التي لن تستثني أحدا.
:يمكن تصفح المقال عبر الرابط اسفله